اخر الاخبارفي العمق

الجدلية الثنائية في حاكمية الدولة العراقية

كتب/ د. سيف السعدي

ضياع هوية الدولة العراقية بسبب جدلية الثنائيات والصراع على الحاكمية وفرض الإرادات، والتغول والتوغل داخل مؤسسات الدولة، بين الدولة واللادولة الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على المجتمع، ولايمكن لهذه الثنائيات المتضادة ان تتكامل من اجل تعزيز دور مؤسسات الدولة وتقويتها، ولديه الإمكانات على الانقلاب في اي لحظة على شرعية الحكومة بسبب توفر عناصر الصراع، وهذه الجدلية الثنائية في حاكمية الدولة العراقية كالنور والظلام ، والخير والشر، الرحمن والشيطان، الوفي والخائن، الأمين والسارق، الحارس واللص، الشريف والعميل، سلاح يعزز هيبة الدولة واخر يهدد الدولة، لا يمكن ان تجتمع هذه الثنائيات إلا في حالة استثنائية تتمثل بواقع حال العراق اليوم، حكومة تمتلك جيشًا وقوات أمنية متعددة الأصناف وتحتفل بها وفي ذات الوقت وجود ميلشيات مسلحة خارج إطار الدولة، علماً ان الدستور العراقي بالمادة (٩/ب) نصت على “يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة”، لايمكن ان يكون الجيش قوي وهو يمتلك رأسين وخير دليل ما يحصل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقوات فاغنر في روسيا، ثنائية الرغبة في تقوية رئيس مجلس الوزراء وبنفس الوقت تهديده!!، تشترك بالحكومة وتنخرط بالعمل السياسي وبالمقابل لديك جناح مسلح!!، ان تحصل على وزارة نفط وتسمح بتهريب النفط، ان تمتلك وزارة الصحة وتسمح بسرقة الأدوية وتهريبها!!! والانتقائية بتطبيق القانون، هناك بيت شعر للجواهري يقول: “ومن لم يتعظ لغدٍ بأمس، وان كان الذكيّ، هو البليدُ”، لدينا عدة شواهد عن مخاطر الثنائية في الهيمنة على الحكم وتهديد وجود الدولة.

الثنائية بالحاكمية لا يمكن ان تنتج نظام سياسي مستقر لأن من أولويات الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو مؤسسات دولة وقانون، وليس دولة القهر والهيمنة، وهنا يبرز دور السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمؤسسة العسكرية والنظم الانتخابية وبنية النظم الحزبية ومنظمات المجتمع المدني والتفاعل مابين هذه المؤسسات هو الذي ينتج دولة قوية متماسكة، لأن النظام الديمقراطية لا يتماشى مع الثنائية في حاكمية الدولة وانما مع دولة متماسكة، وعندما تضعف الدولة أو تفقد ثقتها بنفسها فإن أولى ضحاياها هي الديمقراطية وهو ما يحصل الان في العراق، والدولة لايمكن أن تثمر إلا في جذر الديمقراطية كون الديمقراطية تقوم على اساس الاعتراف بالإنسان، وليس بحاكمية السلاح واللادولة، ولا يمكن الفصل بين فكرتي المواطنة والديمقراطية، ففكرة المواطنة هي من إفرازات الفكر والنظام الديمقراطي، بمعنى انها ولدت من رحم الثقافة الديمقراطية، وتعترف بأن الشعب هو مصدر السلطات السياسية جميعاً، وبدون الديمقراطية لا تنمو المواطنة، وفي ظل وجود جدلية الثنائية بالحكم ان تكون بالحكم وتدعم سلاح يهدد الحكم!! هذا النظام لايمتلك من ادوات الديموقراطية سوى عنوانها ، ولا يمكن ان تكون الدولة قوية إلا ان تكون الحاكمية هي للمؤسسات الشرعية.

كل دورة انتخابية تكون هناك ثنائية بالحكم مرة ضد رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وأخرى مع رئيس مجلس الوزراء ولكن ضد رئيس مجلس النواب، على سبيل المثال ما حصل من تصادم مسلح مع رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وتهديده وقصف منزله في المنطقة الخضراء وهو القائد العام للقوات المسلحة، وقصف منزل رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وتهديد رئيس الجمهورية برهم صالح، عكس الدورة النيابية الخامسة نجد هناك دعم لرئيس مجلس الوزراء السوداني ولكن بشروط وحدود، وهذا يؤشر ان الحاكمية هي ليست حاكمية السلطة التنفيذية ولا التشريعية ولا الدستور ولا القانون وانما الجهات التي تمتلك السلاح، ومثلما تحدث عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي عن صراع مابين البداوة والحضارة، لان لدينا صراع الثنائيات على فرض الحاكمية، وهنا تظهر ازدواجية الشخصية السياسية مرة مع الدولة واخرى مع اللادولة!!، ولعل الاستاذ الدكتور فالح عبدالجبار عالم الاجتماع قدم رؤية استراتيجية عن مفهوم “اللادولة” الامر الذي يستدعي منا التركيز على الجدلية الثنائية في الدولة العراقية بعد ٢٠٠٣ منها “القوة الناعمة والخشنة”، “الفساد والنزاهة”، “التخلف والتقدم”، “النجاح والفشل”، وسوف يبقى المواطن العراقي حائر بين هذه الثنائيات ترتفع تنخفض نسبياً من دورة انتخابية لأخرى حسب مصالح الفاعل السياسي الذي يمتلك اجنحة مسلحة.

أكثر ما يهدد النظام الديمقراطي وكيان الدولة هو “الجماعات الهجينة” التي تمتلك سلاح خارج إطار الدولة وبناءً عليه تكتسب أهمية سياسية وعسكرية دائمة وعن طريقها تقوم بإنشاء قواعد شعبية وسط احتفاظها بالأراضي وسيطرتها على مفاصل الدولة والتحكم بالمؤسسات العسكرية والأمنية، وتصبح تتمتع بهياكل إدارية وسياسية وعسكرية موازية للدولة، ولعل سبب من اسباب بروز الثنائية والازدواجية في فرض الحاكمية من قبل الجماعات الهجينة هو غياب الاندماج الوطني الذي ادى إلى انتشار الطائفية السياسية والدينية والقبلية، وهذا يجعل عملية التحول الديمقراطي صعب جداً، وكلما مر الوقت كلما استفحلت فكرة الاستحواذ على السلطة وفرض معادلة الاستتباع على المكونات والأقليات في العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى