الحديث عن الشرق الاوسط الجديد والذي دائماً يتردد عبر خطاب قادة الدول الغربية قديماً وحديثاً، ولاسيما بعد احداث غزة كان تصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني (نتنياهو) في معرض حديثه قال “ان رد قواته سيغير الشرق الأوسط”، وهذا التصريح له ابعاد تتعلق بتغيير جغرافيا بعض الدول، ضمن معادلة تصفية أو تسوية للقضية الفلسطينية، وهذا كان مقترح في عهد الرئيس الامريكي ترامب عبر شعار “ارض بلا شعب، وشعب بلا ارض” يكون عن طريق تهجير اهل غزة إلى سيناء مقابل صفقة (95) مليار دولار لمصر، منها (40) مليار دولار اطفاء ديون مصر، وهذا ما رفضته مصر، ايضاً كان هناك حديث لوزير الخارجية الامريكي السابق “هنري كيسنجر” قال “لبنان فائض جغرافي وممكن احداث تغيير ديموغرافي”، خصوصاً أن لبنان اليوم منهارة اقتصادياً وتعاني من ازمات داخلية، وهنا يمكن ربط رؤية (هنري كيسنجر) سابقاً مع تصريح نتنياهو الاخير بخصوص الشرق الاوسط، واجزم ان حرب غزة الاخيرة متوقع حصولها ولكن عنصر المفاجأة هو التوقيت الذي اربك حسابات الكيان الصهيوني، لان الاخير لديه مخطط ازاحة كتلة بشرية ضخمة من شمال غزة لعوامل جيوسياسية، وضمن معادلة اقتصادية تعود بالفائدة للكيان “الاسرائيلي”، وهذا ما تحدث به مستشار الامن القومي الامريكي (بريجينسكي) في الثمانينات حيث قال “الحروب القادمة هي حروب الغاز والاطلالات البحرية”، وهذه العوامل متوفرة في غزة لانها تمتلك اطلالة بحرية على البحر المتوسط، فضلاً عن اضخم ثلاث حقول غاز قبالة سواحل غزة، وهذا الامر مرتبط ايضاً بمشروع صهيوني يتعلق بانشاء قناة “بن غوريون”، والتي تهدف إلى ربط البحرين الاحمر والمتوسط عبر هذه القناة، والتي ستكون بديل لقناة السويس، واسرائيل تقول انها ستعود بفائدة خاصة على الاردن ولكن الاعتبارات العامة والسياسية والعربية ستكون لها كلفة عالية على الاردن، وهي جزء من صفقة القرن من اجل مد اوربا بالنفط والغاز، وهذا ما يفسر وحدة الموقف الاوربي لدعم “اسرائيل” ضد حماس، لان هنا دخلت معادلة الطاقة، لذلك امريكا والغرب مع اسرائيل لتأسيس مرحلة شرق اوسط جديد، وهذا يتعلق ايضاً بمشروع خط التنمية العصري الذي يربط الهند عبر دول الخليج من ثم الاردن، مروراً باسرائيل، وهنا ستغيب الايديولوجيات وسيحضر عامل الاقتصاد لان الدول ستحكمها المصالح، مثل دول الخليج لها أيديولوجيات واحدة ولكن لكل دولة اقتصاد، وهذا ما تحدث به رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بيريز حيث قال “افضل تطبيع مع الدول العربية هو التطبيع الاقتصادي عن طريق ربط اسيا باوربا يكون مروراً باسرائيل” لذلك عزز كلامه بمقولة “بعقول العرب واموال اليهود يمكن تحقيق كل شيء”، وهنا لابد من الاشارة ان “اسرائيل” لم تحترم الست اتفاقيات للسلام مع الدول العربية منها التي نحجت واخرى فشلت، وهي “كامب ديفيد (1978)، واتفاقية مدريد (1991)، واتفاقية اوسلو (1993)، واتفاقية وادي عربة (1993)، والاتفاقية العربية للسلام (2002)، واخيرها اتفاقية ابراهيم (2021)”، وهذا هو ديدن الصهاينة.
الشروق الأوسط دائماً ملتهب والازمات متداخلة متعاقبة ولا تكاد تنتهي ازمة إلا وحصلت ازمة اخرى وهذا يعود بنا إلى نظرية “هلال الأزمات” لمستشار الأمن القومي الأمريكي السابق “بريجينسكي”، حيث اطلق على المنطقة التي تبدأ من القرن الأفريقي ومصر وتستمر إلى الهند القوس أو الهلال، حيث يعتقد “بريجينسكي” ان هذه المنطقة وبسبب ديناميكيات وحركة قواها الداخلية، لديها القوة اللازمة لخلق مشاكل للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الفكرة وراء هذا التنظير هي ظهور قوس من عدم الاستقرار، يمتد من شبه القارة الهندية إلى ساحل شمال إفريقيا، والبلدان التي تنتمي إلى هلال الأزمة هي باكستان وبنغلاديش وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا والسعودية وعمان واليمن الجنوبي ومصر والحبشة (إثيوبيا)، المنطقة المذكورة بما في ذلك البلدان المذكورة أعلاه كانت تسمى الهلال أو القوس لأن هذه البلدان على الخريطة، أي الخريطة الحقيقية للجغرافيا، والتي هي على شكل قوس وفقا لكروية الأرض، على شكل هلال طويل وواسع وذات عرض كبير، ومركز ثقل هذا القوس، كانت إيران رابع أكبر منتج للنفط في العالم. لذلك بغض النظر عن حقيقة ذلك عام (1979) مع سقوط النظام الإمبراطوري، تتأثر أي نوع من الحكومة التي وصلت إلى السلطة في هذه الأرض الإستراتيجية، والسياسة الإقليمية والجغرافيا السياسية العالمية، لكن نوع الحكومة التي حلت محل نظام بهلوي غيرت الحياة السياسية الأمريكية في المنطقة. بالنظر إلى الدور الذي لا يمكن إنكاره لإيران في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكذلك موقف الدولة في نظرية بريجنسكي، بعد انسحاب بريطانيا من الخليج العربي، أصبحت إيران الفاعل الرئيسي في هذه المنطقة لدرجة أنها سميت بدرك الخليج العربي، وأكد الشاه هيمنته على الخليج العربي وقال في هذا السياق: “قلنا منذ فترة طويلة إننا لا نحب أن نرى قوة أجنبية في الخليج العربي، كل أولئك الذين يعارضون حرية حركة السفن في الخليج العربي وكل أولئك الذين هدفهم الرئيسي ومصلحتهم خلق حالة من عدم الاستقرار في هذه المنطقة يعتبرون أعداء، يمكن ملاحظة أن إيران كانت محور السياسة الخارجية الأمريكية بسبب وفرة مواردها من الطاقة وموقعها الاستراتيجي والجيوسياسي، بطريقة كان مستشار الأمن القومي للرئاسة الأمريكية قد وضع إيران في دائرة الضوء في نظريته، لكن ما جعل بريجنسكي يعتبر إيران الدولة المركزية لهلال الأزمة هو تشكيل الحركة الإسلامية والإطاحة بنظام بهلوي كأهم حليف لأمريكا في المنطقة، كان ظهور الثورة الإسلامية في إيران من أهم الأحداث التي دفعت أمريكا إلى اختيار بديل لإيران في منطقة الخليج العربي بعد سنوات من الهيمنة على هذه المنطقة، وهنا لابد من الاشارة ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية لا تريد عزل إيران لانها تراعي مصالح اقتصادية وهذا مرتبط بامن اميركا القومي، لذلك سمحت لإيران بتصدير ثلاثة مليون برميل نفط ضمن معادلة التوازن في سوق النفط والطاقة، وهنا تحضر معادلة الطاقة تستثمر لا تدمر.
جميع دول هلال الازمات هي تعاني من مشاكل امنية واخرى اقتصادية، واخرى سياسية، وخير دليل ما تشهده الساحة اليوم من حرب “اسرائيلية” على غزة وتداعياتها على الشرق الأوسط والعالم اجمع وهذا الذي جعل الولايات المتحدة الامريكية تتحرك بسرعة وهنا استحضر مقولة لوزير خارجية اميركا السابق “هنري كيسنجر” قال “مهمة الولايات المتحدة الامريكية تشبه مهمة رجل الاطفاء، عندما يحصل حريق اول شيء يعمل عليه هو محاصرة النيران حتى لا تتسع وتصبح حرائق اخرى يصعب السيطرة عليها” وامريكا اليوم حركت بوارج وحاملات طائرات وسفن حربية، وجهزت قواعدها بصواريخ في إطار عملية ردع أي طرف يريد الاشتراك في المعركة، ولكن الازمات لن تنتهي في الشرق الأوسط والقادم أسوأ.